يا لرئاسة الحكومة من مهنة شاقّة! عدنان حسين

 

 

متأخراً بعض الشيء جاء قرار رئيس الوزراء تشكيل فريق لمتابعة الفساد وعمليات الابتزاز التي يتعرّض لها سائقو الشاحنات في المنافذ والسيطرات الجمركية الواقعة في مناطق محيطة بالعاصمة بغداد والمحافظات.

متأخر، لكنه حصل في نهاية المطاف، وهذا أمر محمود، وإن كان من اللّازم أن يتنبّه إلى هذه القضية في وقت أبكر رئيس الوزراء، وقبله الوزراء والمدراء العامّون المعنيّون، فمنذ أمد غير قريب ونحن في هذه الصحيفة، كما في صحف ووسائل إعلام وطنية أخرى، نطرحها وندعو الحكومة والوزارات ومجلس النواب للعمل من أجل وقف التجاوزات السافرة الحاصلة في المنافذ الجمركية الحدودية والداخلية. تجاوزات لا تنحصر في فرض الأتاوات على التجّار وسائقي الشاحنات وتعطيل حركة نقل البضائع، وإنما تتعدّى ذلك إلى تمرير السلع المستوردة من دون رسوم جمركية وضريبية للدولة (مقابل دفع الاتاوات للعاملين في هذه المنافذ والسيطرات، عسكريين ومدنيين)، والأخطر السماح بمرور بضائع غير صالحة للاستعمال أو منتهية الصلاحية أو من نوعيات لا تتوافق مع مقاييس وقواعد السيطرة النوعية المعمول بها في البلاد.

من المُفترض أن المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء والمكاتب الإعلامية للوزارات والمؤسسات والمديريات العامة أن ترفع تقارير يومية بما يُنشر في الصحف وما يُبثّ عبر وسائل الإعلام الأخرى، لا أن ينتظر الجميع حتى تحدث الإضرابات والمظاهرات، كما فعل سائقو الشاحنات أخيراً، لكي يتنبّه المسؤولون إلى المشكلة بعد تفاقمها تماماً.

الآن كيف سيعمل الفريق الحكومي؟ ومن أين يبدأ؟ .. المشكلة كبيرة للغاية، عامة شاملة، ولا يُستثنى منها أيّ منفذ حدودي أو سيطرة بين المحافظات، فالكل يتجاوز على القانون ويخون الأمانة وينهب من المال العام والخاص.

في عهد النظام السابق انتشرت حكاية عنوانها “شِيلمهنْ؟ “( كيف يُمكن جمعهنّ؟)، مفادها أن منظف شوارع في أمانة بغداد كان يُسائل نفسه بصوت مسموع في ترتيلة صباحية وهو يعمل: ” شِيلمهنْ؟ شِيلمهنْ؟” .. فقط خاصّته كانوا يعرفون أنه لا يعني الأزبال المكلّف جمعها وإنما صور صدام حسين المنتشرة في كل مكان، حين تحلّ ساعة سقوط نظامه، (للحقّ فإن خلفاء صدام الكثر، الحكّام الحاليين، سجّلوا لأنفسهم “شرف” تقليده على نحو بالغ السوء باجتياح الجدران والشوارع والساحات والاسواق والمدارس والمستشفيات والدوائر الحكومية بصورهم وصور آبائهم وزعماء أحزابهم وأئمة صلواتهم).

وعلى غرار ترتيلة منظف الشوارع البغدادي الصباحية، فإن الفريق الحكومي المعيّن للتوّ سيحار وهو يشرع في مهمته، بل لابدّ أن رئيس الوزراء هو في حال الحيرة الدائمة مع متطلبات مكافحة الفساد الإداري والمالي الذي لم يترك مسامة من مسامات الدولة والمجتمع لم ينفذ إليها.

أمس مثلاً، أُفيد بأن وزارة العمل والشؤون الاجتماعية أعلنت عن اكتشاف 19 ألفاً و755 متجاوزاً (إقرأوا فاسداً أو سارقاً) على برنامج شبكة الحماية الاجتماعية في العام الماضي.

هذه بالطبع القمة فقط من جبل الفساد في قطاع واحد من قطاعات هذه الوزارة.. ثمة جبال أخرى في الوزارة نفسها وسلاسل جبلية وهضاب في غيرها من الوزارات.

يا لرئاسة الحكومة من مهنة شاقّة.. في العراق بالطبع!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *