خرافة الديمقراطية في العالم العربي / بقلم: فاروق يوسف

 

 

العراقيون كانوا في حاجة إلى الحرية أكثر من حاجتهم إلى الديمقراطية.

حين حرك الأميركيون ماكنة حربهم التي قادت إلى احتلال العراق كانت أسلحة الدمار الشامل التي يملكها العراق وعلاقة النظام العراقي بتنظيم القاعدة هما ذريعتي تلك الحرب التي وقعت بالضد من إرادة المجتمع الدولي.

 

حين افتضح أمر التزييف الذي قامت به الإدارة الأميركية وصار العالم واثقا من أن الذريعتين كانتا عبارة عن كذبتين جرى تلفيقهما بالتعاون مع محتالين عراقيين صار الرئيس الأميركي يومها جورج بوش الابن يتحدث عن ضرورة اسقاط نظام صدام حسين من أجل أن يتمتع الشعب العراقي بالديمقراطية.

 

ما حدث بعد ذلك معروف ولا حاجة إلى السؤال عن مصير الوعد الأميركي بالديمقراطية وسط حقول الرعب الذي أنهى إلى الأبد حكاية العراقي النائم على السطح وباب الدار مفتوحة.

 

مثل أسلحة الدمار الشامل والعلاقة بالقاعدة كانت الديمقراطية كذبة.

 

من يرغب في بناء تجربة ديمقراطية في بلد لم يعرف شعبه الف باء الديمقراطية عليه أن يعتمد على طاقم سياسي ديمقراطي. أما أعداء نظام البعث من إسلاميين وشيوعيين الذين جلبهم المحتل معه فإنهم لا يمتون إلى الديمقراطية بصلة.

 

إنهم شموليون مثلما كان البعث شموليا. بل اسمح لنفسي وقد ضاع شبابي كله في العراق أن أقول إن البعثيين هم أكثر تسامحا مع مَن لا يعارضهم وفي الوقت نفسه لا ينتسب إليهم من الإسلاميين والشيوعيين.

 

تلك خلاصة عيش وليست استنتاجا نظريا.

 

ما كان الخبراء الاميركيون يعرفونه غير انهم لم ينصحوا به أن العراقيين كانوا في حاجة إلى الحرية أكثر من حاجتهم إلى الديمقراطية.

 

وهي حاجة يمكن تعميمها على الشعوب العربية كلها وبالأخص تلك التي عصفت بها رياح الكذبة الديمقراطية واقتلعت جذورها لتنهي فيها حالة السلم الأهلي الذي كان قائما على التراضي والقبول التاريخي بالعيش المشترك.

 

كان واضحا أن الديمقراطية ليست حلا لمشكلات شعوب كانت عبر العصور محكومة بالعنف والقهر والخوف والاذلال والعزل والقسوة والاحتقار. قبل الديمقراطية كانت هناك حاجة إلى انهاء الجهل والفقر والمرض. حاجة إلى إعادة صياغة علاقة الحاكم بالمحكوم. حاجة إلى أن ينفتح المرء على أسباب إنسانيته ويعالج ثغراتها بطريقة حية مشرفة. حاجة إلى أن يسترجع البشر كراماتهم المهدورة.

 

ما نفع الديمقراطية لشعب وصلت نسب الفقر فيه إلى مستوى لم يشهده تاريخه منذ مئة عام؟

 

نسبة فقراء العراق اليوم أكبر من نسبتهم يوم أنهى الاحتلال البريطاني الوجود العثماني بعد الحرب العالمية الأولى.

 

لقد نشر الديمقراطيون المزعومون الفقر في العراق ودمروا التعليم وحولوا الجامعات إلى حلقات للذكر وحسينيات ونسفوا النظام الصحي بعد أن شردوا الأطباء بين أصقاع الأرض فصار العراقي أينما مضى لاجئا يجد نفسه بين يدي طبيب عراقي.

 

بعيدا عن العراق حيث أقل ما يُقال عنه إنه بلد مُحتل، فإن سؤال الديمقراطية من جهة ضرورتها يصطدم بالمزايدات النظرية. غير أن مواجهة الحقيقة تدفعني إلى الاستفهام. فهل يمكن لأحد أن يصدق أن الليبيين واليمنيين كانوا في حاجة إلى أن يكونوا ديمقراطيين لتكتمل حياتهم؟ هل الديمقراطية هي الجزء الذي كانت حياتهم ناقصة بسبب عدم وجوده؟

 

هل علينا أن نصدق أن سوريا التي هُدمت مدنها وشُرد شعبها ستصلح أحوالها بمجرد إقرار المرحلة الانتقالية في ظل بقاء النظام أو رحيله؟

 

مصر هي الدولة العربية الأكثر خبرة على المستوى السياسي بالديمقراطية. تكاد مصر أن تكون واحدة من أقدم الديمقراطيات في العالم المعاصر. بماذا نفعها ذلك القدم؟ هل منعها من التراجع ووقف أمام انهيارها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي؟

 

سيعترض الكثيرون على الاستنتاج الذي يقول إن الديمقراطية ليست علاجا لمشكلاتنا ولا لمشكلات أي شعب في العالم. الديمقراطية ليست حلا بل هي نتيجة.

 

من حقنا أن نحلم بالديمقراطية التي ترفل بها شعوب الغرب ولكن قبل ذلك الحلم علينا أن نصنع حياتنا الحرة الكريمة التي سنكون من خلالها مؤهلين لخوض غمار الاستحقاق الديمقراطي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *