قصر آشوريّ تحت أطلال مرقد “النبيّ يونس” في الموصل / بقلم عدنان أبو زيد 

 

كشفت استعادة السيطرة في 19 كانون الثاني/يناير من عام 2017 على مرقد النبيّ يونس التاريخيّ في الموصل، من تنظيم “داعش”، الذي عمل على تسويته بالأرض من خلال تفجيره بالقنابل والعبوات الناسفة، في 24‏ تموز‏/يوليو من عام 2014 عن حقيقتين: الأولى، الدمار الهائل الذي أحدثه أفراد التنظيم في معالم المنطقة التاريخيّة، والثانية، اكتشاف علماء آثار في 28 شباط/فبراير من عام 2017 لقصر لم تمتدّ إليه أيدي البشر منذ 600 عام قبل الميلاد، يقع تحت المرقد، ممّا يؤشّر على دلالة بارزة وأهميّة المكان الذي يرجع تاريخه إلى حقبة مملكة آشور القديمة (884 قبل الميلاد)، في هذه المنطقة من شمال العراق، التي شهدت أقدم المستوطنات منذ 6000 عام قبل الميلاد.

 

تمّ اكتشاف قصر آشوريّ عظيم تحت أركام مرقد النبيّ يونس الذي فجّره تنظيم “داعش”، يشير إلى انتمائه للحضارات العراقيّة قبل حقبة الإسلام.

وكشف مدير آثار نينوى فالح الشمري في حديث لـ”المونيتور” عن تفاصيل القصر المكتشف، وقال: “إنّ تنظيم داعش حفر أنفاقاً تحت مرقد النبيّ يونس، وفي الكثير من الأماكن الأثريّة، وكان هدفه بالدرجة الأولى سرقة الآثار وبيعها”. ويعرف اليهود والمسيحيون النبي يونس ب “يوناه”، وقد ذكر اسمه في الكتاب المقدس.

 

وأكّد أنّ “سلطات الآثار تعرف بوجود القصر تحت مرقد النبيّ يونس، ولكن لم يتمّ التنقيب عنه، وأنّ داعش أدرك هذه المعلومة، فشرع في حفر الأنفاق، بأسفل المرقد”، وقال: “حفر داعش للأنفاق بشكل واسع، أظهر الكثير من تفاصيل المكان والمزيد من القطع الأثريّة، رغم أنّ ما فعله داعش، لم يكن تنقيباً علميّاً وأكاديميّاً، وكان هدفه السرقة وتدمير المكان بالكامل”.

 

وأشار إلى أنّ “المنطقة حول النبيّ يونس وتحت هيكله، تضمّ مناطق تاريخيّة كثيرة وقطعاً أثريّة ثمينة”، وقال: “إنّ أعمال التنقيب وتأهيل المكان ستبدأ حال استباب الأمن، وتوافر الميزانيّة الماليّة اللاّزمة. وبالفعل، شرعت الجهات المتخصّصة في إزالة الأنقاض”.

 

وأحد الأمثلة على أهميّة المكان العظيمة، ما كشفه فالح الشمري عن “اكتشاف نقوش آشوريّة تشير إلى الملك آسرحدون”، وهو أمر يتطابق مع ما ذهب إليه الباحث العراقيّ الآثاريّ المعروف الدكتور أبو الصوف عن أنّ “التلّ الذي بني عليه مرقد النبيّ يونس يضمّ بقايا لحصون المدينة القديمة. كما يضمّ تحته بقايا من قصر الملك أسرحدون.

 

وبهذا الاكتشاف المذهل، يتجاوز المكان أهميّته كونه مرقداً مقدّساً يؤم إليه أتباع الديانات الإبراهيميّة، إلى كونه شاهداً على تحوّلات المكان بحسب تبدّل الاعتقادات الدينيّة لسكّان المنطقة، ذلك أنّ ضريح النبيّ يونس، الذي يعترف به القرآن نبيّاً من الله، يزوره المسيحيّون واليهود لأنّهم يقولون إنّه دير النبيّ يونان المذكور في التوراة، فيما دلّت المعطيات التاريخيّة، على أنّ المكان ذاته كان قصراً آشوريّاً في الأصل.

 

وتلاقح الحضارات والأديان التي نشأت وسادت في بلاد النهرين، ليس بغريب، فهناك أيضاً أماكن تاريخيّة في العراق، يعود تاريخها الى حقبة ما قبل الإسلام، تحوّلت إلى أماكن إسلاميّة مقدّسة، مثل معبد الشمس في بابل، الذي كان معبداً بابليّاً في الحقبة (1792-1750 قبل الميلاد)، ثمّ أصبح معلماً إسلاميّاً، وكذلك موقع مدينة بورسيبا (604 ــ 562 قبل الميلاد) الذي يقع على بعد 25 كيلومتراً عن أطلال مدينة بابل التاريخيّة، وبني عنده مسجد كبير، تعلوه قبّة خضراء باعتباره المكان الذي ينتمي اليه النبيّ إبراهيم.

 

لكنّ هذه القدسيّة، لم تمنع تنظيم “داعش” من تفجير مرقد النبيّ يونس، باعتباره “شركا في الله”، بحسب العقيدة الدينيّة التي يحملها أفراد التنظيم، وهو السبب نفسه الذي دفع بأفراد التنظيم بـ12 تمّوز/يوليو من عام 2014 إلى تحطيم شواهد قبور تاريخيّة تعود إلى قرون عدّة باعتبارها مخالفة لتعاليم الدين الإسلاميّ ويجب التخلّص منها.

 

وتحت هذه الحجج، يبرّر أفراد التنظيم لأنفسهم، سرقة الآثار والمتاجرة بها، ففي 28 تمّوز/يوليو من عام 2014، كشف رئيس مجلس أسناد “أم الربيعين” زهير الجلبي عن أنّ التنظيم قام بسرقة “كنز ثمين” يعود إلى العصر السرجونيّ من تحت مرقد وجامع النبيّ يونس.

 

وفي 12 آذار/مارس من عام 2017، قال مؤرّخون وخبراء آثار عراقيّون: إنّ تنظيم “داعش” دمّر معظم الآثار الموجودة في متحف الموصل، ثاني أكبر المتاحف في العراق، وقام بسرقة مقتنيات أثريّة تمّ اكتشافها حديثاً.

 

ونقل الإعلاميّ جعفر التلعفري، وهو من أهالي محافظة نينوى، في حديثه لـ”المونيتور” جانباً من الاحتفاء الذي يبديه أهالي المدينة للمكان باعتباره رمزاً دينيّاً لجميع المسلمين ومعتنقي الأديان الأخرى، وقال: “إنّ المرقد من الأماكن المقدّسة لدى أهالي محافظة نينوى وغيرها، بحيث يزوره المسلمون والمسيحيّون، ويكتظّ بهم المكان، لا سيّما خلال يومي الخميس والجمعة، ويقصده الآلاف من خارج العراق سنويّاً، ليس للزيارة والتعبّد فحسب، بل لكونه منتجعاً سياحيّاً إذ يقع المرقد على تلّة تشرف على المدينة. وبامكان من يعتلي عليها أن يشاهد جمال الموصل كأنّه يحلّق في الهواء”.

 

وفي مدينة يدور فيها قتال ضار بين القوّات الأمنيّة ومقاتلي “داعش”، قال الباحث الأثريّ والمنقّب في مديريّة آثار ذي قار عامر عبد الزراق لـ”المونيتور”: “سيمضي وقت طويل قبل أن يبدأ التنقيب عن القصر بشكل شامل إلى حين استتباب الأمن والسلام”.

 

أضاف: “إنّ المرحلة المقبلة ستشهد بسط الأمن في مناطق الآثار، وإيقاف أعمال التخريب والنهب والتنقيب غير المشروع، وإعادة إعمار وتأهيل المعالم الأثريّة، التي دمّرها داعش قبل أيّ عمليّة تنقيب محتملة”. وأشار إلى أن “عمليّات التنقيب في مدينة الموصل لم تتجاوز الـ4 في المئة بأغلب المواقع، وهي متوقّفة منذ عهد نظام صدّام حسين”.

 

إنّ التواصل التاريخيّ الذي يمثله المكان، كونه معلماً إسلاميّاً ورمزاً مسيحيّاً، وقبل ذلك قصراً آشوريّاَ، يشير بكلّ تأكيد إلى وحدة التاريخ، والجذر الحضاريّ المشترك للإنسانيّة، والذي يمكن أن يستفيد منه العراقيّون، في بناء دولتهم على أسس الحضارة المعاصرة، تماماً مثلما فعلوا في حقب حضاراتهم القديمة.

 

 

 

Read more: http://www.al-monitor.com/pulse/ar/originals/2017/03/assyrian-palace-yunus-mosul-iraq.html#ixzz4c0bKPunA

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *