عجائب العراق السبع! / رأي القدس

 

نشرت «القدس العربي» في صفحتها الأولى أمس تقريرا وخبرا عن العراق، يتحدث الأول عن منع مجلس محافظة مدينة كربلاء للنائبة ميسون الدملوجي من دخول المدينة لكونها غير محجّبة، أما الخبر فيتحدث عن إغلاق قوات الأمن شارع «مول المنصور» وسط بغداد «لتأمين الأجواء المناسبة والسعيدة للمواطنين المحتفلين بمناسبة عيد الحب».

رئيس مجلس محافظة كربلاء اعتبر زيارة نساء للمحافظة من دون ارتداء حجاب «انتهاكاً صارخاً لقدسيّة المدينة» متوعداً بإجراءات حازمة لتطبيق تشريع «قدسية كربلاء» فيما أشارت النائبة عن كربلاء، ابتسام الهلالي، إلى ضرورة سن قانون يمنع دخول السافرات ويفرض الحجاب على النساء في مركز المدينة.

وكي تزداد الصورة العراقية سورياليّة انضافت قصّة جديدة أمس تتحدث عن تجسس ديوان الوقف السنّي على العاملين فيه من خلال عشرات كاميرات التجسس المخفيّة في غرفهم والتي تقوم بالتسجيل صوتاً وصورة لكل ما يجري في غرف الموظفين والموظفات.

في هذه الأثناء يستمرّ نهر الدم العراقيّ جارياً، ففي يوم الاحتفال بـ»عيد الحب» نفسه انفجرت سيارة مفخخة في الحيّ الصناعي جنوب غربي العاصمة، وفي اليوم الذي تبعه (أمس الأربعاء) انفجرت شاحنة ملغومة في مدينة الصدر الفقيرة التي تمثّل الحاضنة الشعبية للزعيم الشيعي مقتدى الصدر فقتلت 15 شخصاً على الأقل وجرحت قرابة 50 آخرين.

صار معلوماً لتيار الصدر وجماهيره أن تعرّض المدينة للانفجارات صار يتواقت مع أي تحرّك شعبيّ ضد منظومة الفساد والقوى السياسية الداعمة لها، وكان آخر هذه التحركات يوم السبت الماضي حين حاول الآلاف من أنصار الزعيم الشيعي الضغط على السلطات لتغيير مفوضية الانتخابات المتهمة بالانحياز لجهات سياسية معينة كون أعضائها ينتمون لأحزاب السلطة الكبيرة وأدّت محاولتهم اقتحام المنطقة الخضراء للاشتباك مع قوات الأمن ومقتل سبعة أشخاص وسقوط أكثر من مئتي جريح وتعرّض المنطقة الخضراء بعد ذلك لسقوط صواريخ كاتيوشا من منطقتين داخل العاصمة بغداد نفسها.

التظاهرات الأخيرة كانت الأكثر دموية هذا العام وشهدت اشتراك تيّارات أخرى منها التيار المدني الديمقراطي وائتلاف «الوطنية» مما جعلها أكثر خطورة وأعطاها طابعاً سياسياً عامّا.

وفيما يتأجج الصراع على آليات النفوذ والتحكم والمكاسب في المنظومة السياسية في العاصمة تتابع قوّات التحالف الدوليّ والجيش العراقي وميليشيات «الحشد الشعبي» و«مستشارو فيلق القدس» الإيراني القتال لانتزاع مدينة الموصل من تنظيم «الدولة الإسلامية»، وتستمر المطالبات الكرديّة بالاستقلال، فتردّ المنظومة الحاكمة على ذلك بتصعيد وتقوية حزب العمال الكردستاني التركي المتمركز في جبال قنديل وسنجار وتأجيج النزاع بين الأحزاب الكردية، وتزداد معاناة المدن السنّية «المحرّرة» ويستكمل مسلسل اضطهاد لاجئيها وسجن شبانها وتهجيرها وتغيير ديمغرافيا المناطق المختلطة طائفياً.

وضع العراق الشديد الاختلال والمنتهك السيادة والفاسدة نخبته حتى النخاع والذي تسوده الفوضى والموت والخراب هو الردّ البليغ على السلسلة الطويلة من السياسيين والإعلاميين العرب الذين ما انفكّوا يلومون الثورات العربية على الدمار الشامل الذي تعيشه المنطقة العربية، فالعراق هو الإنجاز «العظيم» لتحالف العدوان الأمريكي مع إيران والأنظمة العربية (من السعودية وبعض دول الخليج العربي إلى النظامين السوري والمصري)، وكانت الثورات العربية هي المحاولة التاريخية الأكبر في العصر الحديث لإعادة البوصلة من جديد وهو ما جابهته الثورات المضادة لهذه الأنظمة ونجحت من خلاله في توسيع الحروب المفتوحة ضد الشعوب.

النتيجة هي هذه المشاهد التي تجمع بين المقتلة الهائلة والهزل الفاحش حيث تتحدّد قدسيّة الأمكنة بحجاب نسائها وفساد سياسييها، ويخالف الشيخ المسؤول عن الوقف السنّي ما ورد في سورة «الحجرات» من القرآن الكريم «ولا تجسسوا» فيتلصّص على موظفيه رجالا ونساء، وتحرص القوّات الأمنية على مزاج الأغنياء المحتفلين بعيد الحب فيما السيّارات الملغومة تتفجر في المناطق الفقيرة.

عجائب العراق كثيرة وهي بالتأكيد أكثر من عجائب العالم القديمة السبع!

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *