تعقيدات مالية وإدارية وسياسية تعيق تطبيع الحياة في الموصل / العرب سلام الشماع / رصد عراقيون

مرحلة الخروج من الحرب في مدينة الموصل وتطبيع الحياة فيها لن تكون خالية من عوائق ومحاذير زرعتها فترة الحرب وما قبلها من سياسات خاطئة كرّست التهميش وعمّقت الخلافات بين المكوّنات وأفقدت السكان ثقتهم بالدولة، فضلا عن المحاذير الأمنية والمصاعب المالية والاقتصادية التي ستعقّد مهمّة إعادة الإعمار وتطيل أمدها.

تشغل قضية تطبيع الأوضاع في مدينة الموصل ثاني أكبر مدن العراق والخارجة حديثا من حرب مدمّرة في أعقاب أكثر من ثلاث سنوات من الخضوع لسيطرة تنظيم داعش المتشدّد، تفكير قسم هام من قادة الرأي من رجال فكر وسياسة واقتصاد من أبناء محافظة نينوى، كون القضيّة لا تتعلّق فقط بحجم الدمار الهائل الذي قضى على غالبية البنى التحتية والمرافق العامّة والخاصة بالمدينة، ولكن أيضا بالمشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية التي خلّفتها الحرب وما قبلها، والمتداخلة بشكل يجعل من إعادة الحياة إلى مجراها الطبيعي في الموصل بمثابة معضلة.

وتجاهر شخصيات اقتصادية وأكاديمية موصلية بالدعوة إلى تدويل قضية محافظة نينوى من أجل إعادة إعمارها مبرّرة دعوتها تلك بالفساد المستشري في مفاصل الدولة العراقية، وكذلك الأطماع الإقليمية والداخلية التي تريد قضم مناطق من المحافظة.

ويقول ربيع الحافظ الأمين العام لمؤسسة الموصل، المسجلة في المملكة المتحدة، والتي أطلقت الدعوة إلى تدويل قضية الموصل إن من حق أهل أي مدينة في القانون الدولي إعلان مدينتهم مدينة منكوبة ومطالبة الأمم المتحدة بحمايتها إذا كانت الحكومة هي المسؤولة عن النكبة وهي مصدر الخطر على المواطن، مشددا على أن لا مستقبل للموصل من دون أن يأخذ المجتمع المدني المبادرة وتوفير الحماية الدولية لقضيتها.

ويتابع أن “المعالم الرئيسية لحصيلة معركة الموصل هي: فقدان الأمن، ودمار المدينة، وعدم توفر أموال إعادة الإعمار لخواء خزينة الدولة ولفقدان الحكومة ثقة الدول المانحة، وفقدان الحكومة المركزية لمصداقيتها بسبب فسادها السياسي والإداري”.

ويعتقد الوزير السابق عبدالكريم عفتان أن المجتمع الدولي ينبغي أن يتولّى مسؤولية إعمار المناطق العراقية المتضرّرة من الحرب على الإرهاب لمنع حدوث مخالفات إدارية ومالية وصفقات فساد وتلاعب في مشاريع البنى التحتية وتأهيل الخدمات.
نزار العوصجي: إعادة الإعمار مقترنة بفرض الأمن وإحكام الإدارة ومنع التجاوزات
كذلك يرى الخبير القانوني الدولي ناجي حرج أن إعادة إعمار المدن والمناطق العراقية الكثيرة المتضرّرة من حرب داعش يمرّ حتما بإعادة الأمن والاستقرار لتلك المناطق وبثّ الأمل والثقة بالمستقبل بين سكانها، وهو ما “لا يمكن أن يأتي من السلطات التي خذلتهم ولم تتصرّف بمسؤولية تجاههم حين عجزت أولا عن حمايتهم من غزو التنظيم المتشدّد، وتاليا أدارت الحرب في مناطقهم بأكبر قدر ممكن من العنف، واستعانت في كثير من الأحيان بميليشيات عرقية وطائفية عاملتهم كمتهمين باحتضان الإرهاب والتعاون مع تنظيم داعش”.

ويشدّد حرج على ضرورة إتاحة الفرصة لأبناء المدن والمناطق المنكوبة ذاتها للإسهام في إعادة بناء مناطقهم بعيدا عن المحاصصة والفساد اللذين ينخران أجهزة الدولة العراقيّة، لافتا إلى ما تتوفّر عليه مدن العراق ومناطقه من كفاءات تحظى بثقة السكان المحلّيين.

غير أنّ المختص بالقانون الدولي سهيل حسين الفتلاوي، ينتقد دعوات التدويل من وجهة نظر قانونية مؤكّدا أنّه “ليس من صلاحية أي مؤسسة دولية تدويل أي منطقة تابعة لسيادة دولة ما. وكل ما يمكن قوله إن طلب تدويل قضية الموصل يتناقض وأحكام القانون الدولي”.

وعلى الطرف المقابل يؤيّد المحامي الموصلي سليمان ياسين الجبوري السياسي المستقل والناشط في مجال حقوق الإنسان مطلب تدويل قضية المدن العراقية المدمّرة برعاية عربية دولية وبإشراف من الأمم المتحدة.

ويرى الباحث السياسي نزار العوصجي، وهو من مسيحيي الموصل أن مطالبة أبناء نينوى بالتدويل طبيعي جدا لأن ما جرى لمحافظتهم يعدّ كارثة حقيقية تعسّر إلى حدّ بعيد إعادة الحياة فيها إلى طبيعتها نتيجة حجم التدمير الذي أصابها في كل مرافقها والذي وصلت نسبته إلى 80 بالمئة من بنيتها، عدا الخسائر البشرية.

ويقول إن إعادة إعمار محافظة نينوى مقترنة بفرض الأمن أولا، وبعد ذلك يتم تحديد آلية الادارة الجديدة لكي تفرض الاستقرار وتمنع التجاوزات وتبدأ بعمليات إزالة مخلفات الحرب ووضع تصاميم جديدة لإعادة البناء وخصوصا في الساحل الأيمن من الموصل الذي دمرت معظم مرافقه، مقدّرا أن عملية الإعمار ستستغرق مدة لا تقل عن سنتين.

ويبدي العوصجي اعتقاده بأن لعملية التدويل دورا مهما جدا في الحفاظ على الأموال التي ستخصص لإعادة إعمار المحافظة من السرقة، وكذلك خلق فرص عمل جديدة وهذا ما سيلغي الأسباب التي جعلت في السابق قسما من أبناء الموصل ينحازون لداعش.

وينظر الإعلامي والأكاديمي العراقي جاسم محمد رمضان بتشاؤم إلى مستقبل الموصل محذّرا من أن الوضع في المدينة سيكون أسوأ من الوضع الذي كانت عليه عند دخول داعش إليها إذا لم تتخذ الحكومة الحالية الإجراءات القانوية لحماية المدنيين وتحقيق العدالة الاجتماعية للسكان المحليين وإنهاء تهميشهم وإقصائهم عن المناصب والمواقع السياسية والادارية والأمنية.

وتعتقد الشاعرة والأكاديمية الموصلية بشرى البستاني أن تدويل قضية محافظة نينوى هي الحل الأنسب لمدينة التقت كل الأطراف على تدميرها، من تنظيم داعش إلى القوات العراقية والميليشيات الرديفة لها إلى طيران التحالف الدولي ومدفعيته، معتبرة أنّ الهدف من التدويل هو بالأساس حماية الأموال المخصصة لإعادة الإعمار من السرقة، بينما يرى الأمين العام لاتحاد الإحصائيين العرب غازي رحو وجود حاجة فعلية “إلى سماع الصوت الدولي والأممي في الموصل، على أن نبدأ أوّلا بنبذ الطائفية وإحلال التعايش بين أهل نينوى والتخلص من نوازع الكراهية”.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *