الموصل مدينة مغدورة وشعب تائه / بقلم: فاروق يوسف

 

 

 

لأن الموصل هي آخر القلاع السنية في البلد الذي تفكك طائفيا فقد صار للعرب السنة في العراق الحق في أن ينظروا بريبة إلى المشروع الأميركي الذي وجد في الحرب على الإرهاب مناسبة لإبادتهم.

 

لن يكون هناك شيء بعد الموصل. سيعم صمت هائل.

 

لقد اُرتكبت هناك جرائم ضد الإنسانية لا يمكن أن تمحوها ذريعة الحرب على الإرهاب. في أم الربيعين تم قتل المدنيين بطريقة ممنهجة في إطار قرار جاهز سلفا ينص على الحاق أكبر ضرر بالمدينة التاريخية وابادة أكبر عدد من سكانها. المدينة التي تكرهها إيران صارت هدفا للطائرات الاميركية.

 

حاول الاميركيون أن يغسلوا أيديهم من العار حين القوا باللوم على المعلومات التي وردتهم من العراقيين. وهو عذر أقبح من ذنب. فهل يثق الاميركيون في حربهم على داعش بمعلومات تردهم من جهة لا يثقون بحسن طويتها في المساهمة في تلك الحرب؟

 

الحكومة العراقية حسب إعلامها ترى في الموصل مدينة عدوة. وهي من أجل تبرئة ايقونتها في التعصب الطائفي نوري المالكي من مسؤولية تسليم المدينة إلى داعش بطريقة مريبة عملت على تخوين سكان المدينة، كونهم هم الذين مهدوا الطريق لداعش للدخول إلى مدينتهم لأسباب طائفية.

 

كان القتل الذي حدث في الوصل أميركيا بما لا يقبل الشك.

 

لقد قررت القوات الأميركية أن تكون حربها على الإرهاب وسيلة لإبادة سكان المدينة التي سعت بطرق شتى إلى مقاومة سياسة التهميش والعزل والاذلال التي اتبعتها الحكومة العراقية في تعاملها معها.

 

ولأن الموصل هي آخر القلاع السنية في البلد الذي تفكك طائفيا فقد صار للعرب السنة في العراق الحق في أن ينظروا بريبة إلى المشروع الأميركي الذي وجد في الحرب على الإرهاب مناسبة لإبادتهم.

 

ولكن هل كانت المدينة التي غُدرت بداعش هدفا أميركيا قبل أن ينفذ نوري المالكي التعليمات الإيرانية القاضية بتسليم المدينة لداعش؟

 

بالعودة إلى الفلوجة يمكن القول إن الموصل لم تكن مدينة متعاونة مع المحتل الأميركي. كانت في عداد المدن المشكوك بولائها إلى سلطة الاحتلال وما نتج عنها من حكومات محلية. وهو ما دفع بحكومة بغداد إلى أن تمارس في حق سكان تلك المدينة سياسات الاذلال والاهانة والتصغير.

 

ما فعلته الفلوجة بطريقة مباشرة فعلته الموصل بطريقة غير مباشرة.

 

لم يكن هناك قبول بالاحتلال ولا بنظام المحاصصة الطائفية والحزبية الذي فُرض على العراقيين.

 

غير أن الكارثة التي ضربت الموصل لا يُراد بها الانتقام وحده من مدينة غير متعاونة. هناك من الأهداف ما هو أبعد من الرغبة في الانتقام.

 

فالبلد الذي تم تفكيكه على أساس طائفي قد وُضع أميركيا في مرجل الطائفية إلى الأبد. وهو ما يعني أن عراقا مستقرا وآمنا يعيش فيه مواطنوه متساوين ومتسامحين لن يقوم أبدا.

 

ولم يكن الوصول إلى تلك النتيجة ممكنا إلا عن طريق المجازر التي ستلقي بظلالها على المستقبل. فعن طريق المجازر بكل ما تسببه من عقد انتقام سوداء تقيم في النفوس سيكون مستقبل العراقيين أكثر كآبة من حاضرهم.

 

وما ادعاء القوات الأميركية بأنها ارتكبت مجزرة في حق مئات السكان المدنيين في الموصل بناء على معلومات وردتها من الجيش العراقي المحكوم طائفيا إلا خطوة أخرى في طريق تكريس مفهوم الحرب الطائفية.

 

فتنصل القوات الأميركية من مسؤولياتها عما حدث يعني أن الولايات المتحدة تطلق المجال للتكهنات في وجود نية مبيتة لدى الحكومة العراقية لإبادة السكان المدنيين الذين هم من أتباع المذهب السني.

 

إبادة العرب السنة من سكان المدن العراقية التي فتحت الحكومة العراقية السابقة أبوابها لداعش كان العنوان الأبرز للحرب على الإرهاب. وهو ما جرى في أوقات سابقة في ديالى والفلوجة وتكريت والرمادي، المدن التي سبق تحريرها من قبضة التنظيم الارهابي ولم ترد منها تقارير صحفية محايدة.

 

مجزرة الموصل ليست الأولى، فقد سبقتها مجازر في كل المدن ذات الغالبية السنية ولن تكون الأخيرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *