المسيحيّون… “عودة مشروطة” إلى محافظة نينوى / بقلم وسيم باسم

 

 

مع تحرير الجزء الأعظم من مدينة الموصل في شماليّ العراق من احتلال تنظيم “داعش”، الذي اجتاحها في حزيران/يونيو من عام 2014، بدأ بعض من سكّانها المسيحيّين، الذين هجّرهم التنظيم، بالعودة  إلى بيوتهم، غير أنّ الكثيرين منهم يرفضون العودة، مفضّلين البقاء في إقليم كردستان أو بغداد أو في خارج البلاد، بسبب الخوف الكامن في نفوسهم من تكرار مأساة قتلهم وتهجيرهم وسبيهم.

 

بإختصار⎙ طباعة عاد بعض المسيحيّين العراقيّين إلى مناطق سهل نينوى، فيما التحدّي الأكبر يكمن في رفض الكثير منهم العودة إلى الموصل، بسبب المخاوف الأمنيّة والمستقبل المجهول.

وأشار إلى بعض أسباب القلق من العودة بطريرك الكلدان في العراق والعالم لويس رفائيل ساكو الأوّل بقوله في 18 حزيران/يونيو من عام 2017 لوسائل الإعلام: “إنّ القلق هو أمنيّ بعد تحرير الأرض”.

 

وقبل ذلك، قال مطران إربيل والعماديّة للكلدان ربان القسّ في 28 تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2016: “إنّ المواطنين من أبناء جلدته يفضّلون البقاء في كردستان على العودة”، في حين أطلق الكثير من رجال الدين المسيحيّين نداءات عديدة خلال الأشهر الماضية بضرورة عودة المسيحيّين إلى سهل نينوى. واستمرّت الحال حتّى بعد تحرير سهل نينوى، إذ تبيّن وفق تحقيق ميدانيّ في مطلع عام 2017 أنّ الكثيرين من المسيحيّين ما زالوا في حال من عدم اليقين من العودة.

 

“لكن هذا لا يعني أنّ هناك منهم من يستعدّ للعودة في كلّ الأحوال والظروف”، وفق رجل الدين المسيحيّ الأب يعقوب البرطلي، الذي قال أيضاً لـ”المونيتور”: “شوق ينتابني للعودة إلى مدينة برطلة في سهل نينوى، لكنّ المشاعر الجيّاشة وحدها لا تكفي، لأنّي أخاف من عودة داعش والقوى المتطرّفة إلى المنطقة بهدف الانتقام”.

 

أضاف: “إنّ أهمّ ما فقده المسيحيّون في هجرتهم القسريّة، ليس الممتلكات والأرض، بل الثقة بأبناء الأحياء والقرى المجاورة من السنّة العرب، الذين انضمّوا إلى تنظيم داعش”. وبحديث لا يخلو من المرارة، قال: “هناك وعود من منظّمات كنسيّة والحكومة لم تر النور، ولولا المساعدات الشحيحة للمنظّمات الإنسانيّة لما صمد حتّى أولئك الذين يعيشون اليوم في الموصل”.

 

واتّضح ذلك في آراء المسيحيّين الموجودين خارج البلاد، إذ تحدّث الشاب العراقيّ إياد كولة في اتّصال أجراه “المونيتور” معه عبر “فيسبوك”، والذي كان نزح خارج البلاد في عام 2014 إلى هولندا، قائلاً: “عودتي إلى الموصل صعبة، نظراً لنشوء أوضاع إجتماعيّة جديدة، إذ أنّ الكثيرين من سكّان الحيّ وقتها، اختاروا الانحياز إلى داعش على أساس عقائديّ، فضلاً عن الناحية الإقتصاديّة فأنا أعمل الآن، وعودتي إلى الموصل تعني فقداني لعملي”.

 

وتابع: “المهاجرون العراقيّون الموجودون خارج البلاد، حتّى من غير المسيحيّين، يرفضون العودة إلى المناطق المستقرّة أمنيّاً في العراق مثل بغداد ومناطق الوسط والجنوب، فكيف بالمسيحيّين”. ومنذ عام 2003، هاجر الكثير من المسيحيّين البلاد لتنخفض أعدادهم إلى نحو أقلّ من مليون شخص، فيما كان عددهم قبل عام 2003 بحدود المليونين.

 

وأمام معضلة “رفض العودة”، فـ”لا بدّ من مشاريع وحلول تتعدّى الجانب الماديّ، إلى الخطط الإجتماعيّة والثقافية”، بحسب النائب المسيحيّ في البرلمان العراقيّ لويس كارو، الذي قال أيضاً لـ”المونيتور”: “هل يعقل أنّ يعود المسيحيّون والعبوات الناسفة لا تزال تنتشر في أرجاء مناطقهم؟ وفضلاً عن ذلك، لا بدّ من إشعار المسيحيّين بأنّ القوّات الأمنيّة قادرة على حمايتهم، وليس كالسابق، حين أدّى انسحابها إلى جعلهم لقمة سائغة لداعش”.

 

وتابع: “سينجذب المسيحيّون للعودة بتعويضهم الماديّ لإعادة ترميم بيوتهم وكنائسهم”. وأردف: “يجب توفير فرص عمل لهم في الموصل وسهل نينوى، ويمكن أن يكون ذلك سريعاً عبر ضمّ عدد مناسب من الشباب إلى القوّات الأمنيّة، ونشرهم في أماكن سكنهم إلى حين استتباب الأمور الأمنيّة بشكل كامل”.

 

ولعلّ هذا الاستدراك، يتناسق مع رفع فصائل مسلّحة مسيحيّة منضوية في الحشد الشعبيّ بـ23 تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2016 الصليب فوق كنائس مدينة برطلة في سهل نينوى بعد تحريرها، وأكّدت أنّها من الآن فصاعداً ستدافع بأنفسها عن مدنها. كما أنّ هناك من رأى أنّ العودة مشروطة بتأسيس محافظة مسيحيّة في سهل نينوى.

 

من جهته، قال الإعلاميّ والكاتب نزار عبد الستّار (مسيحيّ)، الذي سلّط الضوء على جذور المسيحيّين الضاربة في أرض العراق ومعاناتهم عبر التاريخ في روايته “يوليانا”، لـ”المونيتور”: “إنّ الغالبيّة العظمى من المسيحيّين الآن تجد الملاذ والعمل في المناطق الكردستانيّة وأوروبا وأميركا، وإنّ عودتها يشوبها الكثير من الحذر، نظراً لغياب الفعل الحكوميّ الموجّه. وإذا ما أخذنا في الاعتبار أنّ البنية المسيحيّة في الموصل هي ريفيّة في طابعها العام، فإنّ المسيحيّين عموماً لا يتلقّون الحماية الكافية ولا التيسير المطلوب من السلطتين التشريعيّة والتنفيذيّة في العراق. ولهذا، فإنّ العودة المسيحيّة اليوم تعتمد على المجهود الإجتماعيّ البحت”.

 

ولكن الأهمّ من كلّ ذلك، بحسب الأمين العام لحركة “بابليون” المسيحيّة التابعة للحشد الشعبيّ ريان الكلداني في حديث لـ”المونيتور”، يكمن في “إبعاد مناطق المسيحيّين عن النزاعات والصراعات السياسيّة والمذهبيّة وإزالة كلّ أشكال التغيير الديموغرافيّ”. واعتبر ريان الكلداني أنّ الأهمّ هو “مصالحة مجتمعيّة تجعل التعايش بين القوميّات والأديان ممكناً، وتزيل الندوب النفسيّة العميقة التي خلّفتها الممارسات العنفيّة التي تجبر المسيحيّين على تغيير دينهم”.

 

ويبدو أنّ ثمّة مبادرات في هذا الاتّجاه، ففي 7 حزيران/يونيو من عام 2017، أطلق شباب الموصل مبادرة تشجيع عودة مسيحيّي المدينة، وذلك بتنظيف عدد من الكنائس والأديرة، فضلاً عن قيام ناشطين برفع أكبر صليب في المدينة. كما كشفت وثيقة صادرة عن مكتب محافظ نينوى في 23 نيسان/إبريل من عام 2017 عن تشكيل لجنة عليا لوقف مصادرة منازل المسيحيّين في الموصل وإعادتها إلى أصحابها.

 

وأخيراً، يبدو من الضروريّ توافر التمهيدات الأمنيّة والإجتماعيّة والإقتصاديّة في المناطق المسيحيّة، قبل إطلاق الدعوات لعودة المسيحيّين إليها.

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *