ترامب وشبح هتلر! / سعد عبد الرزاق حسين

 

عندما اُعلن عن نهاية الحرب العالمية الأولى، وخسارة المانيا فيها وتنازلها عن اراضي الألزاس واللورين، كان هتلر حينها في المستشفى يعالج من اصابته في معركة مع البريطانيين، فكتب يلعن الساسة الألمان، ويعد بأنه سيعمل “من اجل ان تعود المانيا دولة عظيمة مرة اخرى”. وكرر فيما بعد هذا الشعار مرات عديدة.

استخدم الرئيس الاميركي دونالد ترامب شعاراً مماثلاً في حملته الانتخابية هو: “سأعمل من اجل ان تعود امريكا عظيمة مرة اخرى”، ولا يزال يستخدمه حتى بعد ان اصبح رئيساً للولايات المتحدة الامريكية.

 

وبهذا الخصوص علقت هالة غوراني، صاحبة برنامج اخباري في قناة سي ان ان التلفزيونية، بأن امريكا عظيمة الآن، كما تشير جميع المؤشرات الاقتصادية، فهل يريد ترامب ان يجعلها أعظم؟  والغريب ايضاً استخدام ترامب شعار “امريكا  أولاً” في خطاب التنصيب في العشرين من الشهر الماضي، وهو الشعار الذي استخدمته الحركات النازية الامريكية في الثلاثينيات من القرن الماضي.  بالتأكيد ان ترامب ليس نازياً ولا فاشياً، لكنه شعبوي كما كان هتلر شعبويا، ويبدو ان هذه الصفة مرافقة لأغلب الشخصيات الدكتاتورية والتسلطية.

يبدو ان الثغرة التي دخل منها ترامب الى عالم السياسة، تتعلق ببعض المظاهر التي تصيب الاقتصاديات المعولمة، كبطالة قطاع من القوى العاملة المحلية واستخدام العمالة الأجنبية، والأستثمار في مختلف بلدان العالم، والأنفتاح التجاري الهائل، ونمو الشركات المتعددة الجنسية وغيرها.  ومن خلال حملته الانتخابية حفز ترامب شرائح من العمال البيض العاطلين عن العمل، الذين اكثريتهم لم يمارس التصويت سابقاً في الانتخابات الامريكية، وذلك من خلال شعاراته بتوفير العمل، وطرد العمالة الأجنبية، وبناء سور بين امريكا والمكسيك، وإعادة الراسمال الامريكي من الخارج، وتغيير مراكز القوى في واشنطن وغيرها، اي بإختصار اعتماد سياسة ”الحماية الاقتصادية” بدلاً من العولمة الاقتصادية.  ومع الفارق بين ما يجري الآن في الولايات المتحدة الامريكية والمانيا في ثلاثينيات القرن الماضي، فأن وصول هتلر الى للسلطة جاء نتيجة للأزمة الراسمالية لعام ١٩٢٩، والعقوبات القاسية لإتفاقية فرساي ١٩١٩ على المانيا، التي سببت في الركود الاقتصادي لألمانيا، والزيادة الكبيرة في عدد العاطلين عن العمل.

لم يمر الاسبوع الاول على تولي ترامب منصب الرئاسة، حتى بدأ بإصدار سلسلة من المراسيم الرئاسية، وكان منع دخول مواطني سبع دول اسلامية للولايات المتحدة من اول تلك القرارات،  بحجة انها بلدان يحتمل ان تصدر ارهابيين الى امريكا! والمضحك ان جميع البلدان الممنوعة من السفر، لم يصدف لأي احد من ابنائها ان قام بعمل ارهابي في امريكا.  كما بدأ بممارسات هددت علاقات امريكا الدولية، كالتهديد بالإنسحاب من معاهدة التجارة الحرة لبلدان امريكا الشمالية (NAFTA) التي تضم كندا والمكسيك والولايات المتحدة.  وكذلك الخروج من اتفاق الشراكة والتعاون لبلدان ما وراء المحيط الهادي (TPP) والتي تضم اثنتا عشرة بلداً: استراليا، بروناي، كندا، شيلي، اليابان، ماليزيا، المكسيك، نيوزلندا، بيرو، سنغافورا، الولايات المتحدة، وفيتنام.

 

وكانت الصين قد حاولت مراراً الإنضمام الى هذا الاتفاق، إلا ان موقف الولايات المتحدة كان بالضد من إنضمامها، ويبدو الآن ان الطريق اصبح مفتوحاً امامها.  ولم يتردد ترامب بتهديد اتفاقية دول حلف الأطلسي العسكرية، إذ صرح بأنه سوف لن يساعد الحلف مادياً،  إذا لم تُسهم بقية الدول بالحصة المتفق عليها وهي ٢٪ من الناتج القومي الآجمالي لكل عضو في الحلف، علما ان مساهمة امريكا لا تزال اقل من الحصة المتفق عليها.

 

وأيد ترامب بقوة خروج بريطانيا من المجموعة الاوروبية، ويشجع الآن اليمين المتطرف الاوروبي الذي ينادي بالخروج من الشراكة الاوروبية.  اما موقفه من القضية الفلسطينية فهو الآخر مثار للسخرية، عندما صرح بحضور رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو، بأنه “يؤيد حل الدولتين، او حتى الدولة الواحدة” إذا ماتم الاتفاق عليه بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي، مما يدل على جهله التام بتعقيد القضية وملابساتها.

ان ردود الفعل الشعبية الرافضة لرئاسة ترامب جاءت عارمة وسريعة من خلال المظاهرات والاحتجاجات في اغلب المدن الأمريكية، خاصة مظاهرة النساء المليونية، ولا يبدو حتى الآن بأن ترامب مهتم بكسب ود الجماهير التي لم تنتخبه.  كما خرجت المظاهرات الحاشدة والمنظمة امام المطارات الامريكية للتضامن مع المسافرين الواصلين من الدول السبع الممنوعة، وكانت المحكمة العليا قد ابطلت قرارات المنع بإعتبارها مضادة لمبادىء الدستور الأمريكي.

 

ويبدو أخيراً بأن ترامب بدأ بالتراجع نسبياً عن بعض القضايا التي طرحها في إطار حملته الانتخابية، كنقل السفارة الامريكية من تل ابيب الى القدس، والموقف المتشنج من دول حلف الاطلسي، وكذلك من الصين واليابان.  ورغم تشدد ترامب مع اغلب دول العالم، إلا ان موقفه المهادن لروسيا كان احد المسائل التي وقف عندها اغلب المحللين السياسيين.

دخل ترامب عالم السياسة وهو شبه هاوً بأجوائها، فلم يكن يوماً منتمياً الى المؤسسة الحاكمة في الولايات المتحدة، إذ جاءها من عالم الأعمال الذي نجح فيه بشكل مثير. وبالتأكيد ان هذا الجهل بالمتطلبات السياسية

 

والادارية قد انعكس عل تخبطه بإجراءات ووعود لا تمت الى ماهو معروف عن ثوابت سياسة الولايات المتحدة.  ويبدو انه يحمل غضائن من ادارة سابقه الرئيس اوباما، فهو لا يزال يعاديه حتى بعد ان اصبح رئيساً، إذ ينتقده في كل مناسبة، محاولاً تبيان فشله، بدءاً ببرنامج الرعاية الصحية، التي استفاد منه اكثر من ٢١ مليون امريكي، جلهم من الفقراء، ماراً بالإتفاق النووي مع ايران.

يحب ترامب الخطابة، خاصة امام الجماهير الكبيرة التي تهتف باسمه وتؤيده.  اما المواضيع التي يتحدث فيها فهي متنوعة، يغلب عليها حب الذات، والكثير منها يصعب تأكيدها، المهم بالنسبة له ان يتحدث،  ولا يهمه إذا ما قال شيئاً لا يتفق مع الحقيقة.  يكره الصحافة والاعلام، خاصة المؤتمرات الصحفية، إذ يكره اسئلة الصحافيين، وتصحيحهم لما يقوله.  ردود افعاله على الاحداث سريعة، وتبدو انها غير مدروسة تماماً، مستخدماً تغريدات التويتر القصيرة لتبيان وجهة نظره.

ورغم انه وصل الى الرئاسة كمرشح للحزب الجمهوري، إلا ان كثيرا من شخصيات الحزب في مجلس النواب والشيوخ لا يتفقون معه، لكنهم مضطرون الى تاييده، خوفاً من ان يصب هذا لصالح المعارضة من الحزب الديمقراطي. إذا ما استمر ترامب بسياسته الحالية، فإنه سيفقد بالتأكيد تأييد نواب حزبه في المجلسين، خاصة عند اقتراب موعد الانتخابات النصفية بعد سنتين تقريباً. وقد صرح ماكين الشخصية المرموقة في الحزب الجمهوري أخيراً، بأن ترامب يعتمد اسلوباً دكتاتورياً في الحكم.

يعتمد ترامب على شخصيات سياسية من غلاة اليمين المتطرف، وكذلك من رجال الأعمال والمال البارزين  الآكثر ثراءً، و تم ترشيح بعضهم لتسنم اهم المناصب السياسية في امريكا. ويبدو ان الإداء المهني لإدارة ترامب ستعاني من عقبات كثيرة، خاصة في المستقبل القريب، بسبب تضارب توجهات الشخصيات التي تحتل المراكز المرموقة، وكذلك قلة خبرة بعضهم في كثير من القضايا الستراتيجية.  أما ماذا سيحل بترامب وسياساته؟ فهذا ما ستكشفه الأيام القادمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *