ألم تحن بعد لحظة انهيار المعبد / فاروق يوسف  

 

العراق في صورته الحالية هو نموذج مثالي للمحمية الأميركية التي يجب تكريسها عربيا في الشرق الأوسط، لم يقع الانهيار لأن كل شيء في العراق لا يمت إلى الحقيقة بصلة.

 

ليس غريبا ألا يشعر الوزراء في العراق بمسؤوليتهم عما ينتج عن تقصير وزاراتهم في أداء واجباتهم من أضرار بشعة. فلم يحدث مثلا أن استقال وزير بسبب حادثة أدت إلى مقتل العشرات من البشر، كان من الممكن ألا يُقتلوا لو أن المؤسسات التي يشرف عليها ذلك الوزير أخلصت في أداء عملها.

 

ما من شخص محصن ومحمي ومُستبعد من المساءلة في العالم مثل السياسي العراقي. فلو انقلب العراق، عاليه سافله، فإن شيئا من الضرر لن يلحق بأعضاء الحكومة، كبارهم وصغارهم على حد السواء.

 

فالسلطة التشريعية التي يقع عليها واجب مراقبة السلطة التنفيذية هي كيان يتألف من القوى نفسها التي تتألف منها الحكومة. المحاصصة نفسها في مجلس النواب وفي الوزارات. كما أن السلطة القضائية، كما أثبتت الكثير من الوقائع، لا تملك ما يؤهلها من مقومات الاستقلال في اتخاذ قراراتها.

 

القضاء في العراق ليس مسيسا، بل هو مؤسسة حزبية طائفية لهـا أحكامها الجاهزة، المستلهمة من تركيبتها غير المحايدة.

 

حين سعى رئيس البرلمان إلى تبرئة نفسه من تهم فساد وجهت إليه، حصل على تلك البراءة خلال ربع ساعة في أسرع محكمة في التاريخ. فهل في الإمكان التعويل على قضاء من ذلك النوع في مسألة استعادة حقوق مسلوبة أو إقرار مسؤولية السياسيين عن الحالة المأساوية التي انتهى إليها العراق، وبالأخص على مستوى الخدمات الأساسية التي صارت أشبه بحكايات الجنيات والساحرات والعفاريت التي لا تمت إلى الواقع بصلة؟

 

ولكن أليس غريبا ألا ينهار العراق بالرغم من توفر كل الأسباب لوقوع ذلك الانهيار؟

 

فالعراق هو بلد مفلس، لجأ إلى القروض المذلة من أجل أن يؤجل عملية الإعلان عن إفلاسه. شبح ذلك الإفلاس لم يُواجه عراقيا بخطط اقتصادية يكون في إمكانها تسليط الضوء على الظاهرة وتفكيكها والبحث عن أسبابها ومعالجتها.

 

ما يتم القفز عليه هو ذلك العجز الدائم في الموازنة. ذلك لأن معالجته لا يمكن أن تتم من غير تفكيك ماكنة الفساد التي تُدار من قبل السلطات الثلاث، متعاونة ومتكافلة ومتفاهمة كما لو أنها دائرة مغلقة على نفسها.

 

من جهة أخرى، فإن العراق بلد عاجز عن تجميع مكوناته تحت خيمة واحدة في ظل غياب المشروع الوطني الذي حلت الفتنة الطائفية محله لتشكل معيارا لتدرج عنصري في المواطنة، هو في حقيقته إعلان صريح عن ولادة عنصرية جديدة ستدفع بالعراق إلى الوراء، مقارنة بما أنجزته البشرية في مجال حقوق الإنسان ومحاربة التمييز بين البشر على أساس العرق أو الدين.

 

لقد تعرض العراق في مرحلة ما بعد الاحتلال الأميركي إلى تمزيق مقصود لنسيجه الاجتماعي، سعت الأحزاب والكيانات الطائفية إلى اعتماده صيغة نهائية، تضمن من خلاله وجودها ضمن نظام المحاصصة الذي يعتاش على الأزمات المستمرة.

 

بسبب الإفلاس المرتبط بماكنة الفساد التي لا تُقهر، ونظام المحاصصة الذي كرس درجات سلم المواطنة فقد كان صعبا على العراق أن يُعيد تأسيس جيشه الوطني الذي تم حله من قبل سلطة الاحتلال الأميركي عام 2003. ما يُسمى اليوم بالجيش العراقي هو كيان هزيل لا يقوى قائده العام على التصدي للميليشيات المدعومة من قبل إيران، وهي تسلب بطريقة منظمة الأسلحة التي تستوردها الدولة من أجل أن يستعملها ذلك الجيش في حربه على الإرهاب.

 

العراق في حقيقته دولة مكشوفة وخائرة القوى. وهو يكاد أن يكون دولة افتراضية. حتى وجوده على الخرائط بات موضع شك، بعد أن صارت الدول المجاورة تلتهم أجزاء منه بموافقة حكومته التي صارت تراهن على الرضا الإقليمي سببا لاستمرارها. ومع ذلك فإن انهيارا متوقعا وفق المنطق الرياضي لم يقع بعد.

 

كما أرى فإن العراق في صورته الحالية هو نموذج مثالي للمحمية الأميركية التي يجب تكريسها عربيا في الشرق الأوسط. لم يقع الانهيار لأن كل شيء في العراق لا يمت إلى الحقيقة بصلة. لقد اخترعت الولايات المتحدة دولة زائفة وصار عليها أن تحميها بكل ما تملك من حيلة.

 

كل حراك العراقيين اليوم لن يؤدي إلى نوع ولو صغير من الانفراج، ذلك لأنه لا يقترب من الخطوط الحمراء التي رسمتها سلطة الاحتلال وكرستها الهيمنة الإيرانية.

كاتب عراقي

فاروق يوسف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *